المغرب في قلب إفريقيا… والفيفا في قلب الرباط
في حدث تاريخي يختزل مسار التحول العميق الذي تشهده كرة القدم الإفريقية، افتتح الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) أول مكتب إقليمي له في شمال إفريقيا، واختار مدينة الرباط، قلب المملكة المغربية، لتكون مقرًا دائمًا لهذا التموقع الاستراتيجي. لم يكن هذا الاختيار صدفة، بل تتويجًا لمسار طويل من العمل المؤسساتي والرياضي قادته المملكة، برؤية ملكية ثاقبة، نحو تموقع متقدم على الخريطة الرياضية العالمية.جاء التدشين الرسمي يوم 26 يوليو 2025، في حفل مهيب حضره رئيس الفيفا جياني إنفانتينو، ورئيس الاتحاد الإفريقي باتريس موتسيبيه، ورئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم فوزي لقجع، إلى جانب عدد من الشخصيات الرياضية الإفريقية والدولية. وقد تم اختيار موقع المكتب بعناية، إلى جانب مجمع محمد السادس لكرة القدم بسلا، الذي يُعد واحدًا من أرقى المراكز الرياضية في العالم، بما يتوفر عليه من بنى تحتية وتجهيزات حديثة، ومرافق تليق بأكبر المنتخبات العالمية.يمثل هذا المكتب منصة إدارية وفنية جديدة للفيفا داخل القارة الإفريقية، وواجهة تواصل مباشر مع الاتحادات الوطنية، وبيتًا مشتركًا يُعزز من حضور الفيفا الميداني في إفريقيا. ومن خلاله، ستتم مواكبة تنفيذ المشاريع، والإشراف على برامج التنمية الرياضية، وتوفير التكوين والدعم الفني للدول الإفريقية، ضمن رؤية متكاملة تستند إلى مبادئ الحكامة والشفافية والتضامن بين الشعوب.لقد بات المغرب اليوم أكثر من مجرد بلد مضيف، بل شريك استراتيجي في صياغة المستقبل الكروي لإفريقيا. فبعد أن بصم على تنظيم ناجح لمنافسات قارية وعالمية، وعلى رأسها مونديال الأندية وكأس إفريقيا للسيدات، واستعداده لاحتضان جزء من كأس العالم 2030، ها هو اليوم يتحول إلى مركز قرار رياضي قارّي، يحتضن مشاريع التحول، ويقود المبادرات، ويؤمن بأن الرياضة ليست فقط لعبة، بل أداة للتنمية، ووسيلة للتربية، وجسر نحو السلم والتعايش.ويأتي افتتاح المكتب في سياق أشمل من مجرد توسع إداري للفيفا، بل هو إعلان واضح عن انخراط فعلي في تنمية إفريقيا من داخل إفريقيا. إنها رسالة رمزية وواقعية مفادها أن القارة لم تعد تنتظر الدعم من بعيد، بل باتت تمتلك مراكزها، خبراءها، وقياداتها القادرة على حمل المشعل وقيادة الإصلاح من الداخل.إن هذا الإنجاز ليس للمغرب وحده، بل هو مكسب لكل القارة. من الرباط، سيُرسم مسار جديد لكرة القدم الإفريقية، مسار تُبنى فيه الأكاديميات، وتُعزز فيه قدرات المدربين، ويُمنح فيه الأطفال حلمًا حقيقيًا بأن يصبحوا أبطالاً في ملاعب الحياة، لا فقط في ساحات اللعب.في النهاية، لا يسعنا إلا أن نثمّن هذه المبادرة، ونعتبرها خطوة ناضجة على طريق التمكين الرياضي والتنمية البشرية في إفريقيا. لقد أصبح للمغرب اليوم دور قيادي داخل الفيفا، ولأفريقيا مقرٌّ يُصغي لطموحاتها من داخل ربوعها، ويواكب نهوضها نحو مستقبل كروي أكثر عدالة وشمولًا وإشراقًا.عن صفحة “من هنا للمونديال 2030”
✍️د. سمير اشقر